عبدالامير المجر
مطلع العام 2017 وبعد ان اخذت كفة الصراع في سوريا تتعادل بفعل التدخل الروسي، تحدثت عن ضرورة عقد مؤتمر اقليمي، يجمع روسيا والعراق وايران وتركيا وسوريا لوضع خارطة طريق، ترسم صورة العلاقات المستقبلية في المنطقة، بعيدا عن اية حسابات جهوية، تأتي لحساب طرف على حساب الطرف الاخر .. وقد ذكرت في حينه، بان الشرق الاوسط هو المنطقة الاكثر حساسية في العالم، واية دولة اقليمية تسعى لتغيير المعادلة الجيوسياسية فيه لصالحها، ستكون واهمة، لان الكبار لن يسمحوا بذلك .. لاشك ان هناك ملفات خلافية كبيرة عالقة بين دول المنطقة، وان الجميع له مصالحه ومخاوفه مما يجري، وان الفراغ الجيوسياسي الذي توقعه الجميع بانهيار سوريا، قبل التدخل الروسي، اذكى حماسة الدول الاقليمية وغيرها للتدخل، لكن من دون تصور مستقبلي مشترك يجنب الجميع مآلات المصير.
لقد اختلف الاتراك والايرانيون والسعوديون في سوريا، اذا راح الاتراك يمنون النفس بفرض الاخوان المسلمين بديلا لنظام الرئيس بشار الاسد. وكان الايرانيون يرون في هذا انكشافا ستراتيجيا لهم كدولة متعددة الاثنيات، لان العراق سيكون هو اللاحق في الانهيار، وستكون المعركة القادمة في العمق الايراني، فيما كان السعوديون قد تدخلوا بحسابات متعارضة تماما مع الاثنين . وبذلك اشتبكت هذه المشاريع مع مشاريع كبرى. فالاميركان والروس لهما مشاريعهما، ولهما ايضا تفاهماتهما بشان مستقبل المنطقة ومصيرها، والذي سيكون حتما بعيدا عن تصورات اية دولة اقليمية، لان اللعبة كانت ومازالت، لعبة كبار.
اكتشف الاتراك انهم في جريهم وراء الاميركان، كانوا مخدوعين، وان في طيات المشروع الاميركي الساعي لتغيير الوضع في سوريا، اقامة دولة كردية، تبدا بمناطق نفوذ الكرد المدعومين اميركيا في العراق وسوريا، ولاتتوقف الا في مناطقهم الاخرى في تركيا وايران، ولكن هذا الاكتشاف جاء متاخرا، او بعد ان قطع المشروع الاميركي شوطا، كانت فيه حكومة اردوغان الحليف الاكثر فاعلية لواشنطن، وبعد ان تداعت الامور في سوريا لدرجة خطيرة، فصار التعاون التركي مع اميركا في سوريا مشروطا بعدم التعاون مع الكرد السوريين، لتجد تركيا نفسها امام ستراتيجية جديدة، انستها تماما حكاية الاخوان وحلمهم المنتظر في حكم سوريا، ليكونوا امتدادا للاخوانية التركية! اما الايرانيون فقد كانوا مدركين لهذا، لكنهم ظلوا يتحركون في دفاعهم عن وجودهم في سوريا من دون غطاء فعّال، كون الروس لهم رؤيتهم الخاصة المتعارضة مع ستراتيجيتهم المعلنة، وان التقوا معهم تكتيكيا. والسعودية، خصمهم الاقليمي، والمنافس اللدود لهم وللاتراك معا، وجدت نفسها، هي الاخرى، عالقة في سوريا، وبات حلم اسقاط النظام في دمشق، واحلال نظام اخر قريب منها، كابوسا، بعد ان اخذت الاوراق تتكشف تباعا.
في تلك الاوقات، كانت الحاجة لعقد مؤتمر اقليمي ملحة، لكن الخلافات البينية ظلت قائمة، على الرغم من ان الجميع، ادرك استحالة تحقيق تطلعاته بمعزل عن ارادة الاخرين، او التعاون معهم للخروج من المازق الذي وجدوا انفسهم فيه.
اجتماع رؤساء برلمانات دول جوار العراق، الذي عقد في بغداد مؤخرا، اتى في سياق ما طرحناه، وبصورة اوسع واجدى ايضا، فكان اشبه بمؤتمر فرساي الذي عقد في باريس العام 1919 بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، لكن هذه المرة ليس للمنتصرين، بل للبحث عن انتصار يمكن ان يكون حقيقة، اذا ما قرأ الجميع الدرس جيدا، لاسيما انه كان قاسيا وبليغا. ووجه الانتصار هنا، يكمن في رسم تصور مستقبلي يضع مصلحة الشعوب فوق أي اعتبار عقائدي او جهوي، تتبناه هذه الدولة او تلك، لان تحقيق ذلك في عالم اليوم وفي منطقتنا الحساسة، هو المستحيل بعينه، وان تحقيق مكاسب آنية من قبل أي طرف، لايمكن ان تتحول الى ستراتيجية بوجود اللاعبين الكبار، فالنصر الستراتيجي الوحيد الذي من الممكن تحقيقه، هو ان تعمل الدول المجتمعة على اعادة بناء الثقة فيما بينها، لتنتهي الى تصور مشترك لحل المشاكل العالقة التي كانت وراء استمرار الخلافات وتفاقمها، واقامة مصالح متبادلة، اقتصادية وسياسية وامنية، تجنب الشعوب ويلات الحروب والتنافس غير الشريف على تحقيق المكاسب في هذه الدولة او تلك، لان هذه التجربة اثبتت فشلها الذريع. ووضع الاسس السليمة لعلاقات متوازنة وطبيعية مع الدول الكبرى وعموم دول المنطقة المؤثرة، وحينذاك يكون مؤتمر بغداد قد بدا الخطوة الاولى باتجاه مستقبل جديد تنتظره الشعوب.