القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
الأموال العامة بشكل عام هي الأموال التي تعود ملكيتها للدولة، وسواء كانت هذه الأموال عقارات أو منقولات تقوم الدولة بتوفير الحماية لها، وعلى هذا الأساس فإن هذه الأموال العامة تختلف عن الأموال الخاصة التي تكون ملكيتها للأفراد أو للأشخاص المعنوية الخاصة، وقد حسم المشرّع العراقي موضوع معيار الأموال العامة وحمايتها، وتعني الحماية هي الإجراءات أو الأفعال التي يمكن للدولة أو لأشخاص القانون العام اتخاذها لحماية الأموال العامة الموجودة تحت تصرفها والتي تكون مخصصة للنفع العام، وقد تكون هذه الحماية دستورية أو مدنية أو جزائية فمن الناحية الدستورية حيث يكتسب الدستور أهمية في كونه الإطار العام والقاعدة التي يقوم عليها صرح التشريع في كل دولة، ونظرا لأهمية الأموال العامة ودورها المؤثر في كيان الدولة ونشاطها فقد نالت اهتماما كبيرا من لدن المشرّع الدستوري العراقي،
إذ نصت المادة (27) من الدستور العراقي النافذ لعام 2005 على : (للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن، ثانيا. تنظم بقانون الأحكام الخاصة بحفظ أملاك الدولة وإدارتها وشروط التصرّف فيها والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الأموال)، واعتبر المشرّع العراقي في القانون المدني العراقي رقم ( 40 ) لسنة 1951 في المادة (71) ما يعتبر من الأموال العامة التي تنص على (تعد أموالا عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون)، وعلى هذا يجب اعتبار المال عاما بتوفر
شروط وهي:- ان تكون تلك الأموال مملوكة للدولة، وان يتم التخصيص للمنفعة العامة بالفعل أو بموجب نص في القانون كمرفق النقل للنفع العام والطرق العامة والحدائق، وان لاستعمال المال العام قواعد يجب ان تراعى من قبل مستعملي المال العام ومنها؛ ضرورة مسايرة طرق الاستعمال للأهداف السياسية التي خصص المال العام من اجل تحقيقها، ويجب ان لا يؤدي الاستعمال إلى تعريض عناصر المال العام إلى خطر الهلاك، وقد يتم تخصيص المال العام للانتفاع المباشر لأبناء المجتمع كاستخدام الجمهور للشوارع دون الحصول على ترخيص من الإدارة، ويجب ان تتوفر المساواة بين المنتفعين وهي نتيجة منطقية لاعتبار الاستعمال العام مطابقا لممارسة بعض الحريات العامة، وان الأموال العامة هي المحرك الأساس لاقتصاد أي بلد، وعليه لا بدّ من توفير الحماية اللازمة لهذه الأموال، إذ لا يمكن للدولة ان تؤدي واجباتها اتجاه شعبها إلا من خلال
الأموال العامة.
ويضفي المشرّع في مختلف دول العالم حماية خاصة للأموال العامة؛ نظرا لكونها تخصص للنفع المجتمع كله، ويتوقف على حمايتها وصيانتها استمرار عمل المرافق العامة بشكل منتظم خدمة للجمهور وتتعدد صور الحماية؛ فمنها، ما ورد في الدستور العراقي، ومنها، ما ورد في القانون المدني العراقي، ومنها، ما ورد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، والحماية القانونية المدنية للمال العام تعني تطبيق الأحكام والقواعد التي نص عليها القانون المدني؛ لضمان أداء المال العام لدوره في خدمة المنفعة العامة على الوجه الأكمل،
إذ نصت المادة (71) من القانون المدني العراقي على (ان الأموال العامة لا يجوز التصرّف بها أو الحجز عليها أو تملّكها بالتقادم)، ويرجع الأساس إلى ضرورة حماية التخصيص للمنفعة العامة والذي من اجله رصدت هذه الأموال العامة للإدارة، إذ ان إباحة التصرّف في هذه الأموال وانتقال ملكيتها من ذمة الإدارة إلى ذمة الغير، وبذلك انقطاع التخصيص، وان قاعدة عدم جواز التصرّف بالمال العام ترد على جميع الأموال العامة سواء كانت تلك الأموال عقارات أو منقولات، فأيّ تجاوز على المال العام يكون محكوما وفقا لاحكام القانون بإقامة الدعوى المدنية أمام محكمة البداءة، وكذلك لا يجوز الحجز على المال العام واتخاذ طرق التنفيذ الجبري بحقه؛ ذلك لان الحجز يتنافى مع مبدأ تخصيصها للمنفعة العامة، وعدم جواز ترتيب حقوق عينية تبعية كالرهن التأميني أو الرهن الحيازي أو حق الامتياز على هذه الأموال؛ ضمانا للديون التي تشغل ذمة الدولة، وإيمانا من المشرّع العراقي بحماية المال العام فقد تضمن القانون رقم 13 لسنة 2019 قانون التعديل السادس لقانون التنفيذ بأن يتم تأخير التنفيذ، اذا كان القرار متعلقا بالدولة حتى اكتساب القرار الدرجة القطعية، وعدم جواز تملك المال العام بالتقادم وهذا المظهر من الحماية هو نتيجة لعدم جواز التصرّف بالمال العام، ولكم من الناحية العملية ذات أهمية تضاهي أهمية المظهر الأول؛ وذلك لان من النادر ان تقدم الإدارة على التصرف في المال العام، أما الأفراد فكثيرا ما يعتدون عليه عمدا أو خطأ، كما ان التملك بالتقادم يتميز بطابعه المستتر وغير المحسوس أحيانا؛
لذلك فإن من مقتضى هذا المبدأ استرداد المال العام مهما طالت مدة وضع اليد عليه، علما ان القانون المدني العراقي قد نص على عدم جواز تملك الأموال العامة بالتقادم، وفضلا عن اوجه الحماية المدنية المقررة لحماية الأموال العامة هناك الحماية الجنائيّة التي يحيط بها المشرّع هذه الأموال من الاعتداء المادي بشكل مباشر أو من خلال الانتفاع بها، ومن المعروف ان للأموال الخاصة للأفراد هي الأخرى محميّة جنائيّا من الاعتداء عليها أو تخريبها، ولكن ما تتميز به الأموال العامة هو ان القانون يشدد في العقوبة بشأن الاعتداء عليها، أما عن أهم صور الحماية الجنائية للأموال العامة فهي اتساع نطاق تجريم الأفعال أو الامتناعات المضرة بالأموال العامة، فإلى جانب الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وهي الجرائم ذات الخطر العام كالحريق والغرق والاعتداء على وسائل الاتصال وسلامة النقل والمواصلات العامة اذا أدت إلى تعطيل مرفق عام أو ضرر جسيم بالأموال وتخريبها وهدم وإتلاف أو الإضرار عمدا بمبانٍ أو أملاك عامة أو مخصصة للدوائر والمصالح الحكومية أو المؤسسات أو المرافق العامة أو للجمعيات المعتبرة قانونا ذات نفع عام أو منشآت النفط أو غيرها من المنشآت الصناعية أو محطات الطاقة الكهربائية والمائية أو الجسور أو السدود أو الأماكن المعدة للاجتماعات العامة أو لارتياد الجمهور أو أي مال له أهمية كبرى في الاقتصاد الوطني وسرقة المال العام المنصوص عليها في المادة (444 /11) من قانون العقوبات، وتعد الجرائم التي تقع على المال العام من الجرائم التي تستهدف المصالح المالية للدولة وتشمل جرائم السرقة والاختلاس وان من الضروري إيجاد طريقة لحماية المال العام من التعرض للانتهاك والسرقة والاختلاس وغيرها من الجرائم واسترجاع الأموال العامة التي سرقت ونهبت من البلد
وقد اصدر المشرع العراقي قانون استرداد أموال العراق رقم (9) لسنة 2012، الذي نص على استرجاع الأموال العامة ولكن هذا القانون لم يتم تفعيل العمل به، ونرى ان للأموال العامة حرمة خاصة وان حمايتها واجب على كل مواطن، ونرى ان على المشرع العراقي ان يشرع قانونا لحماية المال العام تطبيقا لاحكام الدستور العراقي النافذ وخصوصا في الفترة الحالية لما يمر به البلد من أزمات اقتصادية وسرقات على المال العام، وتفعيل القوانين ذات العلاقة ومنها قانون تحصيل الديون الحكومية وقانون التضمين وتفعيل دور الممثل القانوني في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة لإقامة الدعاوى المدنية والشكاوى الجزائية في حالة الاعتداء على المال العام، وتعزيز الدور الرقابي للجهات التنفيذية وخصوصا ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة حماية للمال العـام.