الحقوقية غفران الزهيري
كما هو معلوم أن حرية التظاهر تعد أجلى صور التعبير عن الرأي وممارسة حرية الفكر والضمير على ارض الواقع , ويتم ذلك باجتماع الافراد في مكان معين قد يكون هذا التجمع بشكل عفوي أو منظم ومتفق عليه مسبقاً لكي يعبروا عن توجهاتهم وآرائهم , غالبا ما تكون الدوافع وراء هذا التجمع سياسية أو اقتصادية أو ربما دينية , وعليه فان الاصل في هذا التظاهر أن يكون سلميا وعلى السلطات العامة في العراق ان تتعامل مع المتظاهرين بشكل حضاري وقد كلفت الدولة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 حق التظاهر بما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة استناد لا حكام المادة (38) منه, اذا نصت على: (تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب “حرية الاجتماع والتظاهر السلمي ” وتنظم بقانون). والملاحظ أن المشروع العراقي لم يسم لحد الان قانونا خاص بحق التظاهر السلمي . ولهذا فأن الجهات المختصة تستند فيما تذهب اليه الى أمر السلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم 19 لسنة 2003 المنشور في الجريدة الوقائع العراقية الصادرة بالعدد 3979 في 10/تموز/2003 , اذا جرى بموجب القسم (2) منه تعليق أحكام المواد من 220 الى 222 من قانون العقوبات العراقية رقم 111 لسنة 1969 المعدل والتي تقيد حق الافراد في حرية التعبير والحق في التجمع السلمي , كما تضمن الامر المذكور تحديد جهة إعطاء الترخيص و(أي الجهة التي تعطي الاذن بالتظاهر السلمي أو التجمع السلمي ) , كما ألزم الامر المذكور أخطار سلطة التراخيص قبل 24 ساعة على الاقل من بدء المسيرة او التجمع , ووجوب بيان أسماء المنظمين للتجمع أو التظاهر السلمي ولحد الاعلى للأشخاص المشاركين فيه والطريق الذي تسلكه ووقت بدء ومدة تجمع او التظاهر, والزم سلطة الترخيص أن تحيط علما المجموعة المنظمة أو التي قدمت الاشعار من خلال 12 ساعه بالحد الاعلى المسموح لعدد الاشخاص لهم بالمشاركة , كما حظر على المتظاهرين احضار أو حمل سلاح ناري او الات حادة أو أي شيء يمكن قذفه يحلق الاذى بما في ذلك الحجارة أو العصي باستثناء ما يستخدم لرفع اللافتات والشعارات التي يحملها المتظاهرون , وحيث أن الأمر المذكور كان قد صدر عن سلطة الائتلاف (المنحلة ) ولم يصدر مستندا الى الدستور العراقي الصادر عام 2005 كما انه لم يصدر عن السلطة التشريعية العراقية , وحيث صدر باللغة الانجليزية وتمت ترجمته الى اللغة العربية بصياغة غامضة خاصة المواد التي تختص بالأحكام العقابية الواردة في القسم (7) منه : كونها ليست واضحة وجاءت مختصرة ودون ان تميز بين الافعال التي قد يقوم بها المتظاهرين ما يعطي القضاء سلطة تقديرية واسعة في فرض العقوبات على المتظاهرين لمن خالف الامر المذكور ما يعد خرقا لنصوص الدستور العراقي التي كفلت حق التظاهر السلمي , ولهذا كان على السلطة التشريعية المتمثلة حاليا بمجلس النواب العراقي أن تسارع الى سن قانون ينظم حق التظاهر والتجمع السلمي وان يتضمن رفع كافة القيود على ممارسة هذا الحق وبما يؤدي الى اعطاء الحرية الكاملة للمتظاهرين في التعبير عن آرائهم وتطلعاتهم المشروعة وعدم التضييق على حرية التظاهر , كما لا بد وان يتضمن صراحة منع استخدام القوة ضد المتظاهرين احترما للحق المذكور وتنفيذا لنصوص الدستور العراقي وايمانا بأن الشعب مصدر السلطات وشرعيتها وفي مطلع عام 2014 تم طرح مشروع قانون حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي والذي تمت قراءاه للمرة الاولى في مجلس النواب في حزيران عام 2014 والذي يتضمن (خمسة فصول وسبعة عشر مادة ) , اذ تضمن الفصل الاول : (التعاريف والاهداف) ابتدأت المادة الاولى منه بالقصد من المفاهيم الواردة في هذا القانون والمعاني المبنية ازاءها , وكان نصيب المادة (1) بفقراتها الست والمادة (2) والتي حدثت عن أهداف القانون والجهات المسؤولة عن تنظيم ما أورد فيه . وتم تقسيم الفصول الاخرى حيث كان الفصل الثاني ينظم حرية التعبير عن الرأي والفصل الثالث حرية الاجتماع والفصل الرابع حرية التظاهر السلمي وتضمن الفصل الخامس أحكاما عامة لينتهي بالأسباب الموجبة للقانون . ويصير مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي الكثير من الامور باعتبار القانون الاكثر خطورة والذي يقتضي أن يكون متسعا ينتج بطريقة تختلف عما نراه اليوم من إنتاجية القوانين , فمثل هذا القانون يحتاج الى تلاقح ثقافي فكري اجتماعي سياسي اقتصادي يستدعي أن تنتجه ورش عمل صغيرة تكبر مثل كرات الثلج لتشكل كرة كبيرة تحتوي على رؤى الجميع ولا ضابط لهذه الرؤى أو الخيارات الا ما تضمنه الدستور , وان النظام الديمقراطي الذي تشكل الحرية روحه ومحوره يستند في تحقيق أهدافه الى مجاميع الآراء وأدوات التعبير وما يرتبط بها وما يتفرع عنها , ولقد جاء مشروع قانون حرية التعبير عن الراي والاجتماع والتظاهر السلمي حاملا الكثير من الملاحظات والتي وسمت اليه ككتابة التدوينية وما تضمنه من قصور وملاحظات أخرى يمكن أجمالها بالاتي : ان مشروع القانون حمل اسم حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي بالتماهي مع المادة (3/38) من الدستور علما أن الفقرة بمجملها تتحدث عن كفالة حرية التعبير عن الرأي وما ذكر من الفقرات السابقة تتداخل بينها لتشكل عماد هذه الحرية فالعنوان يحتاج الى الاجمال والاختصار أو التجزئة . فحرية التعبير عن الرأي هي مظلة كبيرة وبقية الحريات هي صور لها مظلة كبيرة وبقية الحريات هي صور لها فالاجتماع والتظاهر السلمي أضافة الفقرات الاخرى والحريات الاخرى مثل الصحافة والاعلام والاعلان والطباعة والنشر , وقد جاء الفصل الرابع تحت عنوان (حرية التظاهر السلمي) اذ نصت المادة (10) منه على انه : (أولا : للمواطنين التظاهر سلميا للتعبير عن آرائهم أو المطالبة بحقوقهم التي كفلها لهم القانون وفق الشروط المحددة في المادة (7) من هذا القانون . ثانيا : لا يجوز تنظيم المظاهرات قبل الساعة السابعة صباحا او بعد الساعة العاشرة ليلا ) , وتضمنت المادة (7) الشروط الواجب توافرها لممارسة حق التظاهر , اذ نصت على أنه : (أولا :للمواطنين حرية الاجتماعات العامة بعد الحصول على أذن مسبق من قبل الوحدة الادارية قبل (5) ايام في الاقل على أن يتضمن طلب أذن موضوع الاجتماع والغرض منه وزمان ومكان عقده واسماء وأعضاء اللجنة المنظمة المنصوص عليها في البند (أولا ) من هذه المادة من رئيس وعضوين في الاقل واذا لم يتم تشكيل اللجنة فأنها تعد مشكلة من الاعضاء المثبتة اسماؤهم في طلب الاذن وتكون اللجنة مسؤولة عن حسم تنظيم الاجتماع ويقابل بالالتزامات المقررة قانوناً والمحافظة على الاجتماع بالتنسيق مع الجهات المختصة.
ثالثاً:- اذا رفض رئيس الوحدة الادارية طلب عقد الاجتماع العام فلرئيس اللجنة المنظمة للاجتماع أن يطعن بقرار الرفض امام محكمة البداءة المختصة وعليها الفصل فيها على وجه الاستعجال.
رابعاً:- يبلغ قرار الرفض وفق البند (ثالثا) من هذه المادة إلى منظمي الاجتماع العام أو الى احد مقدمي الطلب قبل موعد الاجتماع بـ 24 ساعة في الاقل ويجري التبليغ بالطرق المحددة قانوناً.
وفي الوقت الذي نتمنى أن يتم الاسراع في اصدار هذا القانون وأن يلغى الامر الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (19) لسنة 2003، فأننا في الوقت نفسه ندعو إلى اعادة النظر بصياغة مواده القانونية قبل اقرارها على النحو الذي ينسجم ومبادئ حقوق الانسان المقررة بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها واصبح ملزم بها قانوناً كما أن السلطة التشريعية ملزمة بأجراء المواءمة التشريعية بين جميع القوانين النافذة.