نحو برنامج إنقاذ لإصلاحات مقنعة

0
181

د. علي طاهر الحمود –  باحث واكاديمي واستاذ الاجتماع السياسي في جامعة بغداد – كلية الآداب.

بعد تحقيق النصر على داعش وارتفاع سقف مطالبات الناس الحياتية والخدمية، والمظاهرات الاحتجاجية المؤثرة في مطالبها ومبرراتها، باتت القوى السياسية مطالبة أكثر من أي وقت مضى ببرنامج إصلاحي واضح ودقيق يعيد ثقة المواطنين بالعملية السياسية والنظام الديمقراطي قبل تعرضهما إلى خطر محدق.

إن استمرار الاحتجاجات وعدم قناعة الوسط الإعلامي والنخبوي والشارع بنتائج التحقيق في أعمال القنص والعنف المفرط بحق المتظاهرين، واستمرار ضغط المرجعية الدينية بضرورة وجود برنامج إصلاحي واضح ومقنع يحظى بدعمها ودعم الشارع، يستدعي من المتصدين للعمل السياسي إبداء خطوة متقدمة على الآخرين ببرنامج إصلاحي تمهيدي، لمرحلة ما بعد الاحتجاجات، أو ما بعد الحكومة الحالية.

ومن الضروري أن يتصف البرنامج بإظهار إرادة سياسية قوية، تهدف إلى الحصول على تفويض شعبي واضح؛ لتحقيق الإصلاحات وفي مقدمتها المصداقية في مكافحة الفساد والفاسدين. ويفترض بأي برنامج اصلاحي أن يعمل على استقطاب الشباب من ذوي الخبرة والتعليم الجيد خارج العراق وداخله، وتمكينهم من قيادة الإصلاحات بدلاً من الاعتماد على الموظفين الحاليين مهما علا شأنهم، ومكانتهم، اذ انهم مدربون ضمن النظام البيروقراطي الحالي، ومن الصعوبة تصور تحررهم منه.

وينبغي أن يؤمن البرنامج الإصلاحي بضرورة تحجيم عمل الدولة ودورها ودوائرها لصالح الحد من البيروقراطية والروتين ضمن نظام اقتصادي مفتوح وشفاف، بدلاً من التوجه الذي طبع الحكومات بعد 2003 بفتح أبواب التعيين الحكومي حد التخمة والتشبّع بالبيروقراطية والفساد.

وتتطلب مكافحة الفساد جهوداً مبتكرة وأساليب غير متوقعة، والاعتماد على الإعلام الشعبي المكثف لتحويل الإصلاحات من إرادة سياسية إلى توجه شعبي وتشجيع الصالحين على ملاحقة الفساد والفاسدين.

وتتطلب قيادة عملية الإصلاح ومكافحة الفساد قيادة مصغرة منسجمة تتولى عملية التنسيق، واتخاذ القرارات بنحوٍ مكثف وسريع وفاعل، وإن عملية الإصلاح تتطلب الانفتاح على التجارب الدولية بدل الانغلاق على الذات بداعي الحفاظ على السيادة أو نحو ذلك.

وتستدعي الإصلاحات المستدامة تسخير الحكومة التقنيات الحديثة على نطاق واسع للحد من تعامل موظفيها مع المواطنين والمستثمرين.

وإن الورقة الحالية هي أفكار مكثفة لبرنامج إصلاحي يبتعد عن إطلاق الشعارات والأهداف العامة، ويستهدف إعادة ثقة الجمهور بالنظام السياسي، إذ تتضمن اقتراحات في ملفات مكافحة الفساد والإدارة والاقتصاد والسياسة.

ملف مكافحة الفساد

تفعيل التحقيق في ملفات الفساد الكبرى، مثل قضية الأسلحة الروسية، والطائرات الكندية، والمدينة الصناعية في البصرة، وغيرها، واعتقال المتهمين؛ ليكون الأمر رسالة واضحة للجمهور، والقوى السياسية، والقضاء، بجدية الحكومة في ملاحقة الفساد والفاسدين.

الاستعانة بفريق تحقيق دولي ليعين العراق على ملاحقة الفاسدين والاموال المهربة، وليكون هذا الامر رسالة للمجتمع الدولي بجدية الحكومة في هذا الملف.

التواصل المكثف مع الإعلام والناشطين ومنظمات المجتمع المدني، من اجل الاستعانة بهم في حملة مكافحة الفساد، وسماع رأيهم في نقاط الخلل، وهو جزء من اشراك الجمهور في هذا الأمر بدلاً من انتظار مظاهرات احتجاجية.

تفعيل الشرطة والأمن الاقتصادي السريين، والحثّ على اكتشاف حالات الابتزاز والرشوة والفساد بنصب الكاميرات في الدوائر الخدمية.

اقتراح التشريعات أو التعديلات القانونية الحاسمة لمكافحة الفساد دفعة واحدة، تتضمن طرد الموظفين المسيئين من الوظيفة العامة، ومساومة المختلسين والمنتفعين لدفع ما بذمتهم إلى خزينة الدولة.

تشكيل لجان من أكاديميين ومنظمات دولية ومحلية، وبالاستعانة بالجمهور عبر تواصل مباشر، فضلاً عن مسؤولين سابقين وحاليين في الدوائر والمؤسسات والقضايا الآتية، من أجل تشخيص مواطن الفساد، واقتراح طرق لمكافحته (مزاد العملة في البنك المركزي، والبطاقة التموينية عقوداً وتوزيعاً، والمنافذ الحدودية، ودائرة الضريبة، ودائرة الجمارك، والتسجيل العقاري، ومعاشات الجنود وأرزاقهم في القوات المسلحة المتنوعة، ومراكز الشرطة، وشرطة المرور، والمصارف الحكومية والأهلية، والمدارس والجامعات الحكومية والأهلية، والبعثات ومعادلة الشهادات، وشبكة الحماية الاجتماعية، والقضاء، وهيئة النزاهة، و محطات الوقود، ورواتب المسؤولين وحماياتهم ونثريات مكاتبهم، والعقود الجانبية في النفط والغاز، والمصانع الحكومية، وهيئات الاستثمار، والنافذة الواحدة في هيئات الاستثمار التي لم تنفذ حتى الآن، ومؤسسات الشهداء والسجناء والمساءلة والعدالة، والعتبات المقدسة، ونظام التعاقدات الحكومية، وشركات الاتصالات، وشركات الإنترنت، وغيرها).

ملف الإدارة والاقتصاد

لا يمكن الحديث عن الحد من الفساد أو زيادة فاعلية النظام الإداري دون مزيد من الرقابة والشفافية في العمل وتقليص البيروقراطية؛ عبر إنجاز الحكومة الالكترونية والتخلص من الأعمال الورقية ضمن مدة زمنية معقولة وبالتعاقد مع شركات عالمية بهذا الصدد.

من الضروري إعادة الثقة بالهيئات المستقلة لتكون مستقلة بالفعل، وذلك من خلال الاستعانة بالجهات الدولية والمنظمات المحلية لاختيار شخصيات على وفق نظام النقاط، يتم اختيارهم ايضا بعد اختبارهم من حيث احاطتهم بالقانون والإدارة والجوانب النفسية.

بعد اختيار مجلس الخدمة الاتحادي على وفق النظام المذكور آنفاً، يمكن تطبيق الإجراء عينه بحق الدرجات الخاصة (مدير عام وما يعادله، وكيل وزارة وما يعادله).

تعديل القانون لتكون الدرجات الخاصة (مدير عام وما يعادله، وكيل وزارة وما يعادله) لأربع سنوات قابلة للتمديد بطلب من المسؤول الأعلى.

تعديل القانون لتكون مخصصات الدرجات الخاصة (مدير عام وما يعادله، وكيل وزارة وما يعادله، وزير وما يعادله، والرئاسات الثلاث) مخصصات مقطوعة، وغير مشمولة بالتقاعد أو الاستمرار. وعدّ هذه الدرجات الوظيفية مشمولة اعتيادياً بنظام سلم الرواتب ترفيعاً وعلاوةً وتقاعداً.

إحالة مشروع سكك الحديد الكهربائي لربط ميناء الفاو الكبير بتركيا للتنفيذ، مع شمول جميع محافظات العراق بهذا الربط.

إن هذا المشروع يحقق تواصل المحافظات، ويشغل مئات الآلاف من الأيدي العاملة، والكثير من الربح الاقتصادي للبلاد، فضلاً عن الربط الاستراتيجي للعراق بمنظومة الاقتصاد العالمي.

إحالة مشروع ميناء الفاو الكبير للاستثمار، وتسريع إنجاز الخطة الحالية، مع وجود استعداد لشركات عالمية ودول مثل اليابان أعلنت سابقاً عن استعدادها لتنفيذ المشروع.

الاتجاه نحو الاقتصاد الحرّ المفتوح بالتخلص من القوانين المتراكمة منذ العهد الملكي حتى الآن التي تبلغ نحو 21 ألف قانون وأنظمة وتعليمات وأوامر وتوجيهات أغلقت الاقتصاد، ووجهته نحو اقتصاد اشتراكي أوامري ريعي؛ وبذلك يمكن تنفيذ «المقصلة التشريعية» لإعدام كل القوانين الاقتصادية المضرّة دفعة واحدة، واستبدالها بقوانين عصرية ورشيقة وفاعلة.

ربط مؤسسات الدولة أعمالها ببعضها بعضاً لتوحيد الإجراءات الإدارية دفعة واحدة، وأن تتحدد المعاملات الرسمية، وتدمج مع بعضها، على وفق التجارب الدولية، وأن تكون المؤسسات معنية بجمع المعلومات وليس الزبائن.

رفع شعار «السكوت علامة الرضا»، بمعنى إجبار المؤسسات على إصدار التراخيص والإجازات في غضون 20 يوماً -مثلاً- كحدّ أقصى، وفي غير هذه الحالة يعدُّ الترخيص صادراً، إذ يتحمل المسؤول الحكومي أو الموظف أي خطأ محتمل.

إنشاء وكالة وطنية جديدة تعتمد النافذة الواحدة لإصدار السجلات العامة للمواطنين بدقائق معدودة، تشمل شهادة الميلاد والوفاة والبطاقة الوطنية، وجواز السفر، ووثائق الزواج والهجرة، ومعادلة الوثائق، والبطاقة التموينية والسكن، وإجازات السوق وتسجيل السيارات، وكل ذلك تقليصاً للبيروقراطية وتمهيداً لإلغاء شرط حمل الهوية، أو إجازة السوق، إذ بإمكان الشرطة أو المؤسسات الحكومية التحقق من ذلك إلكترونياً.

إشاء قاعدة بيانات موحدة لجميع المواطنين تبين عملهم، أو بطالتهم، ومصادر دخلهم، وارقام حساباتهم، لغرض تطبيق نظام جباية الضرائب، والضمان الاجتماعي على الجميع، مع تحقيق رقابة على وفق قانون «من أين لك هذا؟».

ربط خدمات الماء، والكهرباء، والغاز، والهاتف، والخدمات البلدية، ببعضها بعضاً، ومنح الصلاحية لقطع الخدمة في حال عدم دفع المستهلك ما عليه خلال 3 أشهر متتالية.

توحيد هيئات الاستثمار مع مجلس الإعمار المقرر إنشاؤه، وجعل أعماله إلكترونياً، وتحديد مهلة زمنية لإصدار تراخيص الاستثمار للمستثمرين.

إقرار قانون التنمية العقارية الذي يتضمن خطة متقدمة لحل مشكلة السكن في العراق.

حسم القضايا الخاصة بالقطاع النفطي من خلال استثمار الغاز المصاحب (علماً أن العراق يخسر أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً نتيجة إحراقه)، وإنهاء استيراد المشتقات النفطية من خلال إحالة مشاريع التصفية والبتروكيمياويات؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي بالسرعة الممكنة، وهو الذي يكلفنا نحو 4 مليارات دولار حالياً، وأيضا إنشاء أسطول لنقل النفط الخام للأسواق الدولية لتوفير نحو ملياري دولار -كلفة النقل حالياً-، وإعادة النظر باستحقاقات جولة التراخيص ومدفوعاتها اذ تكلف ميزانية الدولة 15 مليار دولار حالياً، واستثمار الغاز الحر في حقول (عكاز، وراوة، وكل المنطقة الشمالية الغربية)، إذ سيوفر ربحاً سنوياً يقدر بأكثر من 15 مليار دولار، والاهتمام بالصناعات الخاصة بالنفط لتوفير نحو 2 مليار دولار مما ينفق الآن، والعمل على إنهاء اعتماد محطات الكهرباء على النفط الأسود الذي يكلف الدولة 6 مليارات دولار حالياً.

اعتماد الخطة اليابانية لإعادة تفعيل الصناعة الكورية الجنوبية دفعة واحدة، وهي خطة صالحة للاعتماد بالتفاهم مع اليابان نفسها، للدخول بشراكة استثمارية عميقة يتم بموجبها تفعيل 270 شركة صناعية عامة، وتعديل القوانين والتعليمات الخاصة بالصناعة.

الملف السياسي

الدعوة إلى كتابة دستور جديد يعتمد النظام الرئاسي بدلاً من البرلماني. ولا شك في أن العراقيين كانوا يبحثون سابقاً عن شرعية التمثيل عبر النظام البرلماني، إلا أن ضعف الكابينات الحكومية وشيوع المحاصصة والفساد، والتوافقية شلّت حركة الحكومة؛ مما دعا النخبة والمراقبين والجمهور إلى التخلص من كل ذلك عبر نظام رئاسي قوي ومسؤول. وبذلك فإن الدعوات إلى النظام الرئاسي منطقية جداً تهدف إلى إبراز شرعية الإنجاز للحكومة مع عدم إغفال شرعية التمثيل. فالنظام الرئاسي أقدر على إنجاز الإصلاحات وتحقيق التقدم وإعطاء صورة قوية موحدة للعراق في المحافل الدولية والإقليمية، بدلاً من النظام البرلماني الذي يضيع جهوداً كبيراً من أجل المساومات، وتحقيق التوازنات السياسية والانتخابية على حساب الإنجاز الاقتصادي والخدمي، تهرّباً من استحقاقات المسؤولية ورغبةً باستمرار الوجود في السلطة بأي ثمن، وهي التجربة التي عاشها العراق منذ 2003.

ولا بدّ من أن يتجاوز الدستور الجديد الثغرات الموجودة في الدستور الحالي من حيث صلاحية الأقاليم، وسيطرة الحكومة على السياسة الخارجية والقوات المسلحة والحدود والمياه وغيرها.

وأيضا يتضمن الدستور آليات أوضح لمحاسبة النواب واستبدالهم، ورفع الحصانة عن الجنايات والجنح وحصرها بالتصريحات السياسية.

لا يمكن الحديث عن إصلاح سياسي من دون قانون جديد ومقنع عراقياً ودولياً، للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وقانون الانتخابات، وتعديل قانون الأحزاب بما يضمن مزيدا من الشفافية وممارسة الديمقراطية فيها، وإقرار القوانين الدستورية المتأخرة مثل قانون مجلس الاتحاد، والمحكمة الاتحادية، وحرية التظاهر والوصول للمعلومة، وغيرها.

من المهم الإسراع بانضمام العراق إلى الاتفاقيات الدولية لعودة البلاد عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي، وأيضاً حلّ الكثير من العقد والمشكلات الداخلية. فمثلاً من الضروري انضمام العراق لاتفاقيات التحكيم الدولي وهو شرط أساس للشركات الأجنبية المستثمرة. وبما أن عدد هذه الاتفاقيات كبير، وعمل البرلمان بطيء، فيمكن اقتراح انضمام العراق إلى جميع هذه الاتفاقيات دفعة واحدة وبقانون واحد.

المصدر: مركز البيان للدراسات والتخطيط 

http://www.bayancenter.org/2019/10/5498/

مشاهدة المزيد

شاهد ايضاً

القاء القبض على عنصرين من داعش في الحويجة

خلال عملية نوعية ، مفارز استخبارات الشرطة الاتحادية العاملة ضمن وكالة الاستخبارات في وزارة…