أ.د.عماد هادي الخفاجي
يعد المسرح حالة ثقافية متلازمة مع الإنسان منذ وجد، فهو وسيلة مهمة لفهم المجتمع الانساني والعلاقات البشرية السائدة من جهة والاسهام بعملية تغيير المجتمع من جهة ثانية، فالمسرح كان وما زال نقطة الانطلاق نحو الثقافة والتطور والمساعدة في تطوير المجتمعات للوصول الى حال افضل، فضلا ًعن كونه لا يعتبر وسيلة ترفيهية فقط بل يقوم في جوهره على حصيلة المعرفة في شمولها العام وعلى قدرة الانسان على الاكتشاف والتعجب والتأمل، وهذا يعني بان المسرح هو أكثر الفنون الأدبية تجذرا في تاريخ الإنسانية لما له من صلة وثيقة بالمجتمع، حيث يقوم بمعالجة مختلف القضايا الإنسانية، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية سياسية، فكرية… ، اذن فالمسرح يمثل شكل من أشكال التواصل الإنساني، لإحداث تغيير على مستوى الفكر واتجاهات الإنسان، غير أن هذا التغيير ليس بالأمر السهل فقد يحدث ولكن بإتقان كبير يمس جميع مكونات العرض المسرحي وخاصة المتلقي، وبناءا على ما سبق ندرك ان المتلقي يذهب الى المسرح على امل الانغماس في التخيلات السارة وغيرها وربما تكون في بعض الاحيان مرعبة، وهنا الامر سيكون قريب جدا من مفهوم التطهير لدى ارسطو لان جوهر التطهير هو الوصول الى سيطرة اكبر على الرعب او الخوف وعلى ما يرتبط به من مشاعر غير سارة خاصة ما يتعلق بالصدمات التي تنتمي الى ماضينا الخاص، واجزم هنا بان المخرج غانم حميد في عرض مسرحية (ام المرايه) قد استطاع هو وفريق عمله من خلال ما قدمه من سكيجات تتضمن اربع مشاهد بعرض جامع اسماه (ام المرايه) من السيطرة على الخوف ومشاعر الرعب التي مررنا بها سابقا بحيث عمل وباجتهاد عالي على خفضها لأنه العارف والمدرك بان جوهر عملية التلقي المسرحي تتضمن المشاركة الفعالة للمتلقي من خلال استثارة التوترات وخفضِها او التحرر منها في الوقت نفسه، فضلا عن الفكاهة الصادقة والبريئة جدا من أي تسقيط ولأي مكون للشعب العراقي لأني وبصدق اقول بان الفكاهة التي جعلها تتخلل المَشاهد ما هي الا مزيج من الدفء والحب، فضلا عن ذلك ان البهجة عند غانم حميد في العرض كانت غير مكتملة رغم انه اشعرنا بنهاية اللعبة بالأمن والامان بوجود السلطة وقوة القانون، وبعد هذا تبادر الى ذهني سؤال هل استطاع غانم حميد بعرضه هذا وباللغة العامية (لغة الناس) وهذا موضوع اخر، بان ينفذ الى عقولنا ليخبرنا بان عرض مسرحية (ام المرايه) هو عمل مسرحي يتسم بالجمالية وان هناك علاقات موجودة بين مكونات العمل الفني للإحساس بالقيم الجمالية الناتجة عنها، الاجابة بالتأكيد نعم. لان ثمة تذوق فني في العرض، والتذوق الفني هو عملية انسجام عالي بين المتلقي والعمل الفني، وهذا يعني بان عرض (ام المرايه) منظومة عرض بصرية متكاملة تمت ترجمتها من قبل فنانين متمكنين من ادواتهم على خشبة المسرح وبأربعة ادوار لكل ممثل (هناء محمد، ناهي مهدي، محمد هاشم، علي نجم، محمود شنيشل، محبة، احمد غانم) وهذا يعني بوجود قوة المثير والتي كانت واضحة من بداية العرض الى نهايته لإظهار الاستجابة الجمالية لدينا، على الرغم من الفوارق الواضحة بين الممثلين والمتلقين باعتبارهم طرفي اللعبة المسرحية …اما موضوع اللهجة/اللغة بالفصحى او العامية في المسرح ليس بالموضوع المستجد فهي جدلية اثيرت ولا تزال مثار لكثير من الباحثين والمخرجين المسرحين فهي شكل من اشكال اللغة لها نظام خاص وتستعمل في محيط ضيق مقارنة مع اللغة نفسها وفي الاصطلاح العلمي الحديث مجموعة من الصفات اللغوية التي تنتمي الى بيئة خاصة ويشترك في هذه الصفات جميع افراد البيئة لذلك قيل فيها عند اشتغالها في المسرح بانها أنسب لهذا المقام وأوقع في النفس عند الخواص والعوام، فهي بالتأكيد لغة التعبير الالصق بلغة الحياة، أشخاصه يقفزون من الخشبة إلى الصالة ليختلطوا بجمهورهم مباشرة، وليتحدثوا معهم بلغتهم التي تعبر عن همومهم ومشاكلهم وطموحاتهم وأحلامهم في هذه الحياة)……. وغانم حميد في عرضه استثمر هذه الخاصية المهمة من اللهجة وادخلها بعرضه وهي محاولة مهمة لسحب الجمهور الى المسرح نتيجة للتصحر الذي اصاب المسرح العراقي من جمهور الناس العاديين لأنه انحسر في الآونة الاخيرة على النخبة فقط وهذا يحسب له
وختاما لما قلت سلفا اريد التوضيح بان المتعة هي جوهر العملية الابداعية للمسرح لان العرض المسرحي في حقيقته تجربة سايكلوجية وجمالية يمر بها المتلقي، وتجربة غانم حميد التي مررنا بها كانت تجربة جادة ومؤثرة وموجعة وممتعة ومن الصعب نسيانها او تجاهلها بل ان استرجاعها يولد متعة اخرى شانها شان التجارب الثرية والعميقة التي يمر بها الانسان
جهود مباركة والف مبارك لفريق العمل جميعا من مخرج وممثلين وفنيين في هذا العرض ومزيدا من التالق الدائم .