العقوبات الأمريكية: ضغوط خاصة وتقييد لسيادة الدولة

0
15

قسم الأبحاث/ مركز البيان للدراسات والتخطيط

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في 22 كانون الثاني 2024 عقوبات تشمل شخصيات سياسية وأمنية عراقية فضلاً عن شركة فلاي بغداد للطيران تحت ذرائع مختلفة. وكانت التهمة الموجّهة لشركة فلاي بغداد نقل أسلحة ومعدات عسكرية لصالح الحرس الثوري الإيراني الى مطارات إقليمية. وتشير قائمة العقوبات الجديدة إلى ضغوطات وعقوبات سوف يتصاعد فرضها على العراق بالتزامن مع تشكيل لجنة عسكرية مشتركة بين العراق الولايات المتحدة للتفاوض بشأن تقييم تهديد تنظيم داعش الارهابي والشراكة الأمنية المستقبلية بعد جلاء التحالف الدولي من العراق.

إن شمول شركة مستقلة في القطاع الخاص العراقي بنظام العقوبات الأمريكية يشكل واحدة من أهم الضغوطات التي تحاول أن تستهدف عن طريقها الولايات المتحدة الأمريكية الوضع السياسي والأمني في العراق، فالاتهامات الموجهة إلى الشركة تفتقر إلى أدلة منطقية يمكن التفاهم بشأنها فضلاً عن أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت هذه العقوبات دون أي إخطار إلى الحكومة العراقية أو سلطة الطيران المدني التي تعد الجهة المسؤولة عن جميع الأعمال التي تتعلق بشركات الطيران وإجراءات التفتيش والرقابة الخاصة بالأمن، كما هو الحال بشأن إخطار البنك المركزي باحتمالات فرض عقوبات على مصارف عراقية كونها لم تنتهج أساليب معينة في عمليات تداول الدولار.

العقوبات الأمريكية ضغوط مباشرة بأدوات تهز الثقة

إن أساليب فرض العقوبات على جهات خاصة كحالة شركة فلاي بغداد هو انتقال رسمي بفرض العقوبات على المؤسسات كبديل عن الحكومة العراقية وهي تلويح بالمضي أبعد في حال عدم خضوع العراق، فشركة فلاي بغداد هي شركة عراقية مستقلة تم تسجيلها بموجب القانون العراقي وهي تتعامل مع جميع التعليمات التي توجه إليها من قبل سلطة الطيران المدني وبموجب القوانين الدولية، ومن ثم فإن فرض عقوبات مباشرة على مثل هذه المؤسسات يدخل في نطاق فرض الارادة الأمريكية والتلويح للحكومة بأن عدم الالتزام بالقرار الأمريكي ورؤية واشنطن لما يجري في الشرق الأوسط سيؤدي إلى فرض عقوبات أكبر تشمل الحكومة العراقية نفسها.

من الناحية القانونية فإن الولايات المتحدة تدخل هذه العقوبات في نطاق تهديد الأمن القومي الأمريكي إذ يحق لها بموجب هذه التهديدات المفترضة أن تفرض عقوبات خاصة ذات صفة أحادية، وبالنظر إلى موقع الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي فإن ذلك يمنحها القدرة على تمرير هذه العقوبات على الحلفاء وإجبارهم على الالتزام بها مما يعطيها مصدر تأثير أكبر ويجعل قدرة بلدان العالم ولا سيما الشركات الخاصة على تجاوز هذه العقوبات أمرا غاية في الصعوبة من دون دعم حكومي يسهم في تخفيف حدة هذه العقوبات.

جاءت العقوبات الأمريكية لتنقل تأثيرها هذه المرة باتجاه واحدة من الشركات المهمة في مجال الطيران العراقي، فهي تسهم في 1% من الناتج القومي العراقي، وتنقل نحو مليون مسافر سنويا في 10218 رحلة الى 45 مطار دولي في 15 دولة، فيما تبلغ حجم تعاملاتها اكثر من 300 مليون دولار، ومن ثم فإن قرار العقوبات من شأنه أن يقلل الثقة بالاستثمار داخل العراق، وأيضا يزعزع الثقة بالقطاع الخاص ورجال الأعمال لأن العقوبات التي يمكن أن تلوحهم لأسباب سياسية سيكون لها تأثير كبير الأمر الذي يترك تأثيره على مساهمة هذه القطاع في الاقتصاد الوطني الذي تسعى حكومة السيد السوداني إلى توظيفه لغرض دعم عملية التنمية الوطنية.

يؤشر الخبراء في مجال الاقتصاد إلى أن العقوبات التي فرضت على شركة فلاي بغداد تعد بمثابة إنذار اقتصادي للعراق والذي سيجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو عقوبات أكبر من بينها استهداف المزيد من شركات القطاع الخاص، ومنها أيضا تجميد ومصادرة الأموال الموجودة في الخارج بحجة أنها تمثل مصدراً لتمويل الأعمال التي تتصل بالأمن والسلم الدوليين، أو تقييد الوصول لأسواق الديون العالمية ومنعها إن لم يشمل الأمر التوقف عن تسليم الدولار إلى العراق، وجميع هذه الضغوطات تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية حقاً لحماية الأمن القومي الأمريكي أو ما تعبر عنه بالأمن العالمي.

الانتقائية وازدواجية: عقوبات تقابل حوار أمني ثنائي

إن واحدة من سمات الادارة الأمريكية هي الانتقائية والازدواجية في التفكير مع الأطراف الدولية فضلاً عن بيئة التفاعل، فالضغوط التي تحاول عن طريقها إضعاف العراق وتقليل تأثيره في موضوع التفاعلات التي تشهدها المنطقة يجعلها تتعامل بطريقة غير واضحة ومركبة في آن واحد، ففي حين أنها فرضت عقوبات مباشرة على شخصيات أمنية وسياسية تسعى من جهة أخرى إلى التفاوض بشأن شراكة أمنية ثنائية مما يؤثر على أولويات الحكومة وطريقة التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر ذاته يشمل القوى السياسية في العراق التي تتداخل أولوياتها بين ما تفرضه الإدارة الأمريكية تهديدات وتحديات وما تقدمه من فرص والتي قد يتأثر بها أحد الأطراف أو المؤسسات الخاصة كالحالة مع قضية المصارف أو شركة فلاي بغداد.

إن تداخل الأولويات والفرص بين استحقاقات سياسية وأمنية وبين عقوبات وضغوط اقتصادية قد تجعل الأوضاع بحكم التهديدات الأمنية والسياسية تميل إلى تفضيل أحدهما على الآخر دون أن يكون هنالك إدراك بما يمكن أن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى زعزعة ثقة القطاع الخاص والمواطن بالدولة بحكم الخسائر التي تلقاها الاثنان معاً. فعلى سبيل المثال لم يمض على العقوبات المفروضة على شركة فلاي بغداد أسبوعا واحدا، الا ان ذلك أثّر بشكل مباشر على قطاع السياحة إذ ارتفعت أسعار التذاكر بين 35 الى 85%، فضلا عن دخول شركات إقليمية لسد النقص الذي كانت الشركة تملؤه في السوق العراقي.

ما الذي يتوجب على الحكومة؟

في ظل العقوبات الاحادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على العراق خاصةً بعد شمول شركات خاصة كمصارف وشركة فلاي بغداد، فإن على الحكومة أن تتعامل مع هذه العقوبات وفق منطق التحسب المقترنة بالمعالجة والتي يمكن أن تتخذ صوراً مختلفة أو قد تكون على شكل خطوات يمكن أن يكون بعضها جزءاً مما يطرحه هذا المقال من توصيات:

الضغط على سلطة الطيران المدني باعتبارها الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن الطيران المدني في العراق وبما يؤمن تقديم الأدلة التي تنفي قيام أي شركة طيران بنقل اشخاص ومعدات خارج ضوابط سلطة الطيران المدني.

إن لوزارة النقل تأثير مهم في موضوع التفاوض مع مؤسسة الخزانة الأمريكية بشأن العقوبات وبما يدعم الموقف التفاوضي للشركة والتزامها.

وفقاً لاعتبارات قانونية وأخرى تتصل بثقة المواطن يجب أن تتدخل الحكومة في الجوانب ذات الصلة بحجز المبالغ وتأمينات الشركات لدى المصارف والبنك المركزي فهي بمثابة أمانات خاصة وعلى الحكومة إيفاء التزامها تجاه المواطنين.

إن شمول شركة فلاي بغداد للطيران قد يؤدي إلى أضرار في المدى القريب بالخطوط الجوية العراقية، وسلطة الطيران المدني، إذ أن المتهم الأول في التهمة الامريكية بـ»تحميل الصواريخ، والأموال، والمسلحين، عبر الطائرات المدنية» هي المؤسسات الحكومية الرسمية التي تدير المطارات العراقية والمسؤولة عن الأمن وتدقيق المسافرين والبضائع، ومنها جهاز المخابرات، والامن الوطني، وهيئة الجمارك وغيرها.

المصدر: مركز البيان للدراسات والتخطيط  https://www.bayancenter.org/2024/01/10768/

  • البنوك الأجنبية وانتهاك السيادة

    حازم صبيح الشمري احذروا رجاءً، المال هو الباب الخلفي لسيادة الدول، ومن يتركه مشرعاً دون حر…
مشاهدة المزيد

شاهد ايضاً

البنوك الأجنبية وانتهاك السيادة

حازم صبيح الشمري احذروا رجاءً، المال هو الباب الخلفي لسيادة الدول، ومن يتركه مشرعاً دون حر…