بغداد – وكالة الاعلام الدولية
بساعات من الجرد والفرز، تكرّس إلهام قدوري، البالغة من العمر 57 عاماً، أوقاتاً طويلة من يومها لمهمة إنسانية. تحيط نفسها بمئات القطع من الملابس المتنوعة، بأشكالها وأحجامها المختلفة. تقوم بغسلها وتجهيزها لعرضها في سوق مجانية خيرية، بهدف تقديم الدعم والمساعدة للأيتام والأرامل الذين يعانون من الفقر والحاجة بمفردهم.
تشارك الناشطة والمعلمة الجامعية المتقاعدة في جمع الثياب من خلال تبرعات الأصدقاء والأقارب، لتعبر عن تفانيها بخدمة المجتمع.
تقول قدوري، لوكالة الأنباء الرسمية في تصريحات تابعتها وكالة الاعلام الدولية إنها تتنقل بين مختلف المناطق بحثاً عن قطع الملابس المستخدمة والقابلة للتوزيع، بهدف توفيرها في ما يعرف بـ”سوق الفقراء”، التي أسستها بهدف تخفيف معاناة الأشخاص المحتاجين.
بلغ عدد الأسواق التي نظمتها إلهام قدوري، حتى الآن أكثر من 400 سوق في مختلف محافظات العراق، وبدأت حقاً بكسب العديد من “المتبرعين الدائميين” والذين يساعدونها حسب قولها، بإدامة الأسواق واستمرارها.
فكرة السوق الخيرية تعتمد على توفير منصة لعرض وتوزيع مجموعة متنوعة من البضائع، مثل الثياب وملحقاتها مثل الحقائب والأحذية، للأشخاص المحتاجين. يتم تنظيم هذه الأسواق في قاعات مستأجرة أو في الهواء الطلق، حيث يمكن للمستفيدين اختيار الملابس بأنفسهم وفقاً لاحتياجاتهم وبالكميات التي يحتاجونها.
تهدف السوق إلى تقديم الدعم والمساعدة للأفراد الذين يواجهون الصعوبات المالية، وتوفير فرصة لهم للحصول على ملابس جديدة أو مستعملة بشكل مجاني.
وتضيف قدوري، أنها لا تفضل توزيع الثياب التي قد لا تناسب الأرامل وأطفالهن، أو التي لا تكفي احتياجاتهم. لهذا السبب، قررت اعتماد طريقة الأسواق، حيث تستطيع كل امرأة أن تأخذ ما تحتاجه هي وعائلتها من دون أي شروط أو مقابل.
حينما تصنع الأزمات روح المساعدة
تجاوزت السيدة الخمسينية تحديات الحياة بمفردها، بعد فقدانها لزوجها في فترة الحرب العراقية-الإيرانية (1980- 1988) ، من دون أن تلقى اهتماماً وقتها في عام 1986، كانت أماً لولدين صغيرين فقط، في حين كانت تبلغ من العمر 19 عاماً.
تروي السيدة قصتها قائلة: “أراد والدي أن يزوجني مرة أخرى، وتحقق ذلك عندما بلغت 21 عاماً. أنجبت 5 أولاد من زوجي الثاني، ثم خسرته في حادثة سيارة مفخخة عام 2004، فواجهت مرة أخرى أن أكون الأرملة من دون أي دعم أو رعاية”.
خلال تلك الفترة، قررت إلهام قدوري الانضمام إلى الجامعة لمواصلة تعليمها، وذلك بجانب عملها كمعلمة في إحدى مدارس محافظة ديالى، وتحملت مسؤولية رعاية أولادها السبعة بمفردها.
وتعبر قدوري، عن تلك الفترة قائلة “أسفرت الأحداث الطائفية التي شهدتها البلاد في الأعوام 2006 و2007 عن مقتل العديد من الآباء، وترك زوجاتهم وأطفالهم يواجهون مصيراً غامضاً. كانت تلك الأيام صعبة للغاية، حيث دفعتني للتفكير في وضع الطلبة ومعاناتهم. تذكرت أيام الفقد والحاجة التي مررت بها، ومن هنا بدأت في جمع أسماء الطلبة الأيتام لتخصيص القرطاسية لهم، والتواصل مع أمهاتهم للحضور إلى المدرسة، وتوفير ما يناسبهم من الملابس”.
أكثر من مليون قطعة
بعد سنوات طويلة من التبرعات، تمكنت إلهام قدوري من تأسيس منظمة “الإلهام” التي تهتم بشؤون الأرامل والأيتام في عام 2014. ومن خلال هذه المنظمة، نجحت في جمع كميات هائلة من الثياب، مما سمح لها بفتح أسواق خيرية في مختلف مناطق العراق، بما في ذلك مخيمات النازحين. وبدأ تجار الملابس بالتعاون معها من خلال التبرع في فصول الدراسة وأوقات الأعياد.
تشير قدوري، إلى أنهم لم يحصوا كل ما تم عرضه في الأسواق الخيرية، حيث بلغ عدد الثياب الموزعة مليون قطعة أو أكثر.
تواصل حديثها: “في كل مرة نقوم بتجهيز متوسط يبدأ من 1500 إلى 2500 قطعة من الملابس، بالإضافة إلى اللوازم الأخرى. ونحن نفتح أسواقاً جديدة بشكل متكرر كلما جمعنا كمية مناسبة من الثياب النظيفة، مع مراعاة احتياجات كل حي سكني على حدة، بالإضافة لتقديمها الدعم للحالات الطارئة كالعمليات الجراحية والعلاجات.
الأم المثالية في بعقوبة
أحمد سرحان، أحد الأعضاء في منظمة “الإلهام”، يتذكر تجاربه مع الناشطة إلهام قدوري، ويصف كيف قررت قدوري التقاعد المبكر من وظيفتها لتفريغ وقتها وجهدها بالكامل للعمل الإنساني.
يقول سرحان: “كانت تنتقل بين المحافظات لفتح أسواق خيرية، على الرغم من مواجهتها للكثير من الصعاب والخسائر، بما في ذلك فقدان أحد أبنائها في عام 2014.
يضيف: “هذه الفاجعة أثقلت كاهلها بشكل كبير، ولكنها امرأة تتحدى الظروف. كنت أطلب منها التوقف عن العمل لفترة والاستراحة، لكنها تصر على الاستمرار وتقول: (أبحث لنا عن مدينة جديدة لنفتتح فيها سوقاً خيرية ونشاهد فرحة الأطفال. إنها تفكر في الجميع)”.
يطلق أبناء مدينة بعقوبة على قدوري لقب “الأم المثالية”، وقد نالت هذا اللقب بعد ترشيحها من جهات مرموقة في المدينة ومن سكانها، الذين أشادوا بأمانتها وإخلاصها لقضيتها الإنسانية.
وزارة العمل تدعم هذه المبادرات
من جهته، يوضح المتحدث باسم وزارة العمل، نجم العقابي، أن المبادرة التي أطلقتها السيدة إلهام، مهمة للغاية، وتضيف الكثير من الدعم لوزارة العمل، إذ يكون التعاون مشتركاً بين المواطن المنتج والوزارة.
فيما أبدى العقابي، استعداد الوزارة لدعم الناشطة من خلال منحها القروض الصغيرة، لتوسيع مشروعها، بفوائد تكاد تكون معدمة.
ويضيف قائلاً: “هذه المبادرات المهمة نتطلع إليها بشكل كبير، ونقدم لها كل المساعدة الممكنة خاصة إذا كانت من العنصر النسوي، سنعمل على تطوير مشروعها من خلال المنح المالية كذلك، ونحاول تأمين كل ما تحتاجه من قاعات للتأجير أو أماكن لعرض الثياب فيها”.
وأدرف بالقول: “ما تفعله السيدة إلهام، ملهم تماماً، وترحب الوزارة بكل مبادرة وتمنحها كل ما تستطيع من دعم”.