الكاتبة نعومي رائف
بعد تحرير المعتقلين الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم لسنوات طويلة عم الفرح في قلوب الشعب السوري بأكمله وكان هذا التحرير يعادل فرحة الشعب بمغادرة نظام الأسد لسوريا. ولكن ما هي الخطوة القادمة والتي يغفل عنها الكثيرين حيث أن هذه الفرحة قد تتحول لفوضى عارمة تهوي بالبلاد إلى القاع إذا لم يتم التعامل معها بالطريقة والخطوات الصحيحة حيث تعتبر قضية إطلاق سراح المعتقلين في سوريا بعد سنوات من الاعتقال والتعذيب قضية معقدة تتطلب تعاملًا دقيقًا وحذرًا. فأغلب المعتقلين السابقين إن لم يكن جمعيهم سيكونون تحت تأثير الصدمة النفسية العميقة نتيجة التعذيب والاعتقال، كما أن فئة منهم قد تسعى إلى الانتقام من الذين أساءوا إليهم، مما قد يؤدي إلى زيادة التوتر والعنف. وآخرين منهم من الممكن اتجاههم إلى ارتكاب الجرائم لتأمين لقمة العيش، أو نتيجة للصدمات النفسية التي تعرضوا لها. فبعد خروجهم من السجون، يواجه هؤلاء الأفراد تحديات نفسية واجتماعية كبيرة، منها اضطرابات نفسية حادة مثل الاكتئاب، القلق، اضطراب ما بعد الصدمة، كما أنهم سيواجهون صعوبات في التأقلم مع الحياة الطبيعية، حيث قد يعانون من صعوبات في العلاقات الاجتماعية، وفقدان الثقة بالنفس، ومشاكل في النوم والأكل. كما أن معظمهم سيكون لديه مشاكل جسدية مزمنة نتيجة للتعذيب والإهمال الطبي، مما يزيد من معاناتهم النفسية. وقد يجد المعتقلون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، نتيجة للخوف والألم النفسي الذي عانوه من شدة التعذيب وكلما كانت درجة التعذيب أشد، كانت الآثار النفسية أكثر حدة. كما أن مدة الاعتقال تلعب دورا مهما وكلما طالت مدة الاعتقال، زادت صعوبة التعافي. وربما في المرحلة الأولى يجب وجود الدعم الاجتماعي من العائلة والأصدقاء الذي قد يساهم في التخفيف من حدة الأعراض النفسية. وفيما بعد توفير خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية الذي يؤثر بشكل كبير على سرعة التعافي. ولإن قضية المعتقلين في سوريا هي قضية إنسانية بالدرجة الأولى، يتطلب الأمر تعاملًا حكيمًا وشاملًا. وعلى الجميع تقديم يد العون والمساعدة وتوفير بيئة آمنة لهم لإعادة بناء حياتهم. كما أن على العامة الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تقيم ومحاولة معرفة الفئة التي ينتمي لها كل معتقل تم الإفراج عنه والتعامل معه على هذا الأساس وعلينا التفريق بينهم وتحديد الحالة النفسية حتى يتم التعامل معهم بشكل صحيح ومعالجتهم بأقصى سرعة قبل تفاقم حالتهم وخروج الأمور عن السيطرة وتعرض أشخاص أبرياء للأذى، وغالبا سنكون أمام ثلاث فئات المسالمين الذين يحتاجون إلى الدعم النفسي، والمصابين بأمراض نفسية قد تشكل خطرًا على المجتمع، والمجرمون الذين ارتكبوا جرائم خطيرة.
- الفئة الأولى: المسالمون المحتاجون للدعم النفسي:
وعلينا توفير الرعاية النفسية لهم لمساعدتهم على التغلب على الصدمات النفسية التي تعرضوا لها. واكتساب الأمان الداخلي للاندماج في المجتمع من جديد وإكمال حياتهم كنجاة وليس ضحايا. وتوفير بعض الدعم الاجتماعي من خلال توفير فرص العمل والسكن، ودعم الناس لهم. وإظهار التعاطف والود الذي يبحثون عنه ليسكنوا ويستكينوا من الداخل.
- 2. الفئة الثانية: المرضى النفسيون:
هؤلاء قد يعانون من عدة حالات نفسية تتفاوت على حسب شدة المرض. ومنها الأفكار الانتحارية والتعبير عن الرغبة في الموت، التخطيط للانتحار، أو محاولة إيذاء نفسه. أو التهديدات بالعنف وتهديد الآخرين بإيذائهم. أو قد يظهر عليهم السلوك العدواني والتصرف بطريقة عنيفة تهدد سلامة الآخرين. أو قد يعانوا من الهلوسات والأوهام. ويجب على المحيطين بهم طلب المساعدة من المتخصصين لمساعدة هذه الفئة على العلاج واستعادة أمناها النفسي.
- 3. الفئة الثالثة: المجرمون الذين ارتكبوا في السابق جرائم بشعة ولا يزالون يمتلكون نزعة الأذى والشر، وهؤلاء هم الفئة الأخطر حيث أن إطلاق سراحهم في شوارع البلاد قد يعرض الكثير من الأبرياء للخطر وهنا تكمن ضرورة تعاون عائلات هذه الفئة ومحيطهم باتخاذ القرارات المناسبة لسلامة وحماية أنفسهم والآخرين بتسليم هؤلاء الأشخاص للأمن لتفادي إرهاق الأرواح البريئة
إن التعامل مع ضحايا التعذيب والاعتقال هو تحدٍ كبير، ولكنه ليس مستحيلاً. من خلال توفير الرعاية النفسية والدعم الاجتماعي اللازمين، يمكن مساعدة الضحايا على استعادة حياتهم الطبيعية والاندماج في المجتمع، يجب أن يكون الوعي هو سيد الموقف في المرحلة القادمة حتى نتمكن من تخطي هذه الفوضى بأقل الخسائر الممكنة واستعادة سوريا آمنة وتحيق السلام الذي نسعى إليه جميعًا.
.