
بقلــم: أمجــد هيف
في مثل هذا اليوم، التاسع من نيسان، تفتح الذاكرة أبوابها على وجعٍ خالدٍ في وجدان العراقيين، وجعٌ لم يكن صرخة ألم فقط، بل كان ولادة وعي، ولحظة فاصلة بين عهدين: عهد الطغيان، وعهد النهضة والانبعــــــاث.
نستذكر اليوم ذكرى استشهاد الشهيد العارف الرباني، بــــــــاقر عصره وصدر الامه والفيلسوف الفذ الذي لا يكرر، السيد محمد بـــــــاقر الصدر، وأختـــه العالـــمة بنــت الـــهدى، اللذين اغتيلت بهما الكلـــمة، وذُبــح الفكر على مذبح الاستبداد، على يد أعتى دكتاتور عرفه العصر الحديث.
في مفارقة من عدالة السماء، صادف اليوم نفسه سقوط الطاغية صدام، بعد ثلاثة وعشرين عاماً على جريمة الاغتيال، وكأنّ صوت الشهيد بقي يلاحق جلاده، حتى أسقطه من علياء الزيف إلى هاوية العار الأبــــــدي.
الصدر لم يكن شخصاً، بل مشروع أمة، ورؤية حضارية، ومدرسة فكرية متكاملة. ذوب حياته في الإسلام، واستحال شهادة إلى منارة تضيء طريق الأحرار، وأصبــحت دماؤه دستــوراً يُعلِّم الأجياــل أن الكلــمة أقــوى من الرصاصة. بانهيار النظام، لم يسقط الطغيان فقط، بل سقط الجدار الــذي حجب العقــل والوعي، فانطلقت من بين الركام مدارس دينية، ومراكز فكر، ومؤسسات علمية حملت فكر الصدر، وراية التغيير، تكتب للتاريخ، وتؤسّس لمستقبل مضيء. لقد بدأت معالم نهضةٍ جديــدة تُرسم، بعقـــولٍ نفضت عنها غبار الخوف، وبأقلام أبت أن تكتب إلا للحق، وبجيلٍ يؤمن أن النصر لا يُؤخذ بالســلاح فقط، بل بالعـــلم، والمــبــدأ، وثبــات المــوقف.
من دم الصــدر وصرخته: “إني سلمٌ لمن سالمكم، وحربٌ لمن حاربكم”، وُلد جيــــل لا ساوم، ولا يخضع، جيلٌ يفهم أن الوطن لا يُبنى بالمجاملات، بل بالعقيدة والصدق والموقف الشريف.
فلنُحيِ ذكرى التاسع من نيسان كما يليق بها، لا كيوم حزن، بل كيوم بعث وعي، وتجديد عهد، وإعلان ولاء دائم لفكرٍ كتب نفسه بالدم، وبقي خالداً مدى الزمان. رحم الله الصدر، وأبقى كلماته شعلة في دروب المصلحين، ومناراً يهتدي به التائهون، وسيفاً مسلطاً على رقاب الطغاة.