تأملات في زمن الحرب

1
54

 بقلم : أمجــد هيــف

بين أصوات الهدير وصمت الحكمة

 في ظل فصول الصراع التي لا تهدأ في منطقتنا، تأبى الأحداث إلا أن تسير بخطى متسارعة، تحمل معها عبق الألم والمخاوف، وتطرح على ضميرنا تساؤلات عميقة عن مصير شعوب تتأرجح بين نار الصراع ونسائم السلام المجهولة. هناك في زوايا المشهد، صوت الحكمة يدعو إلى التروي، وصوت المآسي ينطق بدموع الشهداء، بينما يد أخرى ترتجف خفية تحت وطأة الخوف، تنفي بذلك كل شعارات القوة والجبروت.

حين ينهال العدوان على من يعشقون وطنهم ويصونون حقهم في الحياة، ويُستهدف العلماء والبررة في عقر دارهم، تتجلى الطبيعة الحقيقية للصراع: ليس مجرد حرب سياسية أو نزاع حدودي، بل معركة وجود وصمود. الشجاعة في مواجهة الظلم لا تقدر بثمن، والرفض الحازم لهذا العدوان هو صرخة الشعوب التي تعبث بها يد الغدر.

وفي خضم هذا، تبرز الأصوات التي تحث على ضبط النفس، وتؤكد على ضرورة كبح جماح الفوضى، فهي تدرك أن التهور لا يولد إلا مزيدًا من الخراب، وأن الحكمة في الاستماع لصوت العقلاء والمرشدين، الذين ينادون بعدم السماح لأنصاف الحقيقة أو الأجندات الشخصية بأن تغلب صوت الوطن الجامع.

ولا يخلو المشهد من علامات ضعف، تكشف عن هشاشة من يدعون القوة. رؤية اليد المرتجفة، التي حاولت أن تُظهر صلابة النار، تكشف الحقيقة الخفية عن خوف وحيرة تفتك بهم من الداخل، وتفضح كم المراوغة التي تحيط بالكلمات التي تُطلق كطلقات رصاص في الهواء، بلا هدف سوى تضليل من يخشى أن يرى الحقيقة.

إننا اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى أن نرفع صوت التوحد واليقظة، أن نصون أرضنا ومقدساتنا من أن تكون ساحة لاستعراضات القوة العابرة، وأن نحمي أوطاننا من أن تتحول إلى فريسة لصراعات لا تخدم إلا مصالح أخرى، بينما يدفع أبناءها الثمن الأغلى.

في هذا الزمن الذي تهتز فيه الأرض تحت أقدامنا، تبقى حكمة الصبر والرحمة منارة تنير دروبنا المظلمة. ليس اليأس خيارنا، بل هو حافز لنمضي قُدمًا، نعانق أحلام السلام رغم كل الألم، ونرسم بأيدينا خريطة وطن يتسع لكل أبناءه. فلنتمسك بالإنسانية التي تجمعنا، ونبني على أساسها غدًا يليق بأحلامنا وأمانينا، لأن في النهاية، لا شيء أقوى من روح الشعوب التي تصمد، ولا أبلغ من صوت الحق حين يُسمع بحب وصدق.

قد لا تكون هناك حرب غدًا، لكن كل المؤشرات تقول إننا نعيش في زمن ما قبل الانفجار. زمنٌ تزن فيه الكلمات بثقل الرصاص، وتُقرأ فيه الخطابات في ضوء الطائرات المسيّرة التي تحوم في السماء كظلال لا تهدأ، حيث تُرسم الخطوط الحمراء بصواريخ كاتيوشا ورعب شبحيات F-35 التي تخترق الصمت. في هذا المشهد المرعب، تبرز الأسئلة الحارقة: من سيصرخ أولاً في وجه هذه العاصفة؟ ومن سيتجرأ على إطلاق الشرارة التي قد تُشعل نيران لا تُخمد؟ ومن سيُدفع ثمن هذه المعركة التي لا ترحم؟

مشاهدة المزيد

شاهد ايضاً

غدير خم: جدلية النص والتأويل بين الواقع والتاريخ

بقلم: أمجد هيف في التاريخ الإسلامي، هناك لحظات استثنائية تتداخل فيها السياسة بالدين، ويجتم…